- أبي شارك في معركة الجهراء عام 1920
- والدي معلمي الأول ويمثل لي رمزاً من رموز الخلق الكريم ورافداً من روافد الثقافة والمعرفة
- مجلة السندباد نبع شكّل أفكاري في طفولتي ولا تزال محفورة في ذاكرتي منذ سنوات طويلة
- أول كتاب اشتريته «من هنا بدأت الكويت» وكان ذلك في العاشرة من عمري
- هويت جمع الطوابع والعملات القديمة منذ الطفولة
- استدعيت عدداً من الشخصيات التراثية من التاريخ وأجريت بحوثاً حول حياتها الإنسانية والتاريخية مع الآخرين
ليلى الشافعي
رحلتنا إلى أعماق بحر هادئ ثائر نغوص فيه فنفوز باللؤلؤ النادر من قلب محاراته، يهوى البحث والكتابة والتوثيق للتراث الكويتي، له العديد من الهوايات أحبها ومارسها منذ طفولته حتى أصبحت ثروة تراثية لا تقدر بثمن وتمثل رصيدا مهما لتاريخ الكويت، لديه متحف تراثي كويتي نادر، يمتلك أرشيفا للصور الكويتية القديمة، لديه مكتبة تراثية كويتية نادرة تضم معظم المؤلفات التي صدرت عن الكويت جمعها في أكثر من 3000 كتاب، حوارنا مع عاشق تراث الكويت من أدوات ومأثورات، استطاع أن يكون لذاته هوية ثقافية مع تراثه البيئي في متحفه الصغير الذي يرى من خلاله تاريخ الأشياء ما فجر أمامه دروبا من آفاق الإبداع الأدبي والحفاظ على التراث والموروث الشعبي، إنه د.عادل العبدالمغني الذي التقينا به وحاورناه عن رؤيته للتراث وأهميته وكيف يمثل روح الأمة ويعبر عن تاريخها وأصالتها فجاءت التفاصيل كما في السطور التالية:
متى بدأت لديك موهبة حب كل ما هو رمز للتراث الكويتي؟
٭ ولدت في الحي القبلي بمدينة الكويت القديمة هذه البيئة الكويتية القديمة امتلكت حواسي وسيطرت على روحي وشكلت وجداني، وشعرت بالغربة حين انتقلت الأسرة الى بيت جديد يختلف عما كان من قبل وشعرت بنمط مسكننا القديم المتواضع وانتقالنا الى البناء الحديث المتطور ووجدت نفسي في مجتمع عصري بأساليبه وأنماطه التي لا تتفق مع عفويتنا وبساطتنا وشعبيتنا، وقمت بجمع الأدوات والاحتياجات التي ركنتها الأسرة في مخزن بسبب انني ظللت مفتونا بأدوات البيئة الشعبية التي تمثل للطفل الصغير نافذة من الضوء أتصور من خلالها المواقف والأحداث، وكانت لدى الأسرة أشياء توارثتها العائلة عن الأجداد وكان لكل منها تاريخ فوضعت على غرفتي ورقة كتبت عليها اسم «المتحف» وعاتبني والدي لأن الباب مصنوع من أجود أنواع الخشب الساج.
جمع الطوابع
وهل كانت لك هواية أخرى وأنت طفل؟
٭ نعم كنت أهوى جمع الطوابع والعملات القديمة وتوثيق مجلات الحائط المدرسية والمجلات المطبوعة في كتب مصورة وتحليل كل الظواهر القديمة في ماضي الكويت وكنت أجلس وأنا طفل أتأمل النجوم في السماء من فوق سطح البيت القديم وفي النهار أمارس لعبة الطائرات الورقية.
ما أول كتاب قرأته أو مجلة تعتز بها؟
٭ مجلة السندباد كانت هي النبع الثري الذي شكل أفكاري في طفولتي وذلك في عام 1959 حيث عشت مع أحداث المجلة ما أطلق خيالي في الفضاء وأصبح لدي الحرف المطبوع له سحر ودهشة وغرابة، وكان أول كتاب اشتريته «من هنا بدأت الكويت» تأليف عبدالله خالد الحاتم واشتريته وكان عمري لم يتجاوز العاشرة، حيث شد انتباهي وبهرني عنوانه وقرأته أكثر من مرة لحبي للتراث والتاريخ فكانت المواضيع سهلة وبسيطة عن أوائل الأشياء والأماكن والمباني التراثية والتاريخية بالإضافة إلى ما يحتويه الكتاب من القصص والحكايات الشعبية التي صاغها المؤلف بأسلوب وطريقة مشوقة.
وهل وجدت تشجيعا من الأهل؟
٭ كان أبي حريصا على اقتناء الكتب ويوصيني لأحضر له عنوان كتاب من الكتب لم يجده وأذكر انني ذهبت معه مرة الى معرض الكتاب العربي الأول في عام 1975 واستمر يقام كل عام في الكويت وظننت انه سيشتري كمية قليلة من بعض الكتب وإذا بي أفاجأ بشرائه كميات كبيرة من الكتب ووضعها في عدة كراتين.
المكتبة الخاصة
متى بدأت في تكوين مكتبة خاصة بك؟ وما نوعية الكتب التي تفضلها؟
٭ في عام 1962 بدأت بتكوين مكتبتي وبذلت الجهد لأقتني الكتب من العواصم العربية والأوروبية ومن مكتبات الكويت وشعرت بانني امتلك كنزا ثمينا خاصة بعد أن بدأت مكتبتي في النمو والازدهار بإضافة مجموعات من الكتب تم شراؤها خلال رحلاتي إلى البلاد العربية والأجنبية وكنت أهتم بكتب التاريخ الكويتي القديم مما يجعلني أثناء مطالعتي أحن الى بيتي القديم وحياتي هناك.
وما الأسباب التي ساهمت في عشقك للتراث الكويتي؟
٭ انتمائي العميق للمكان سواء في البيت او البحر او أماكن اللهو واللعب، ففي الماضي عند نزول المطر كانت تغمرني السعادة وأفرح وأغني مع أبناء الحي أهزوجة «طق يا مطر طق.. بيتنا يديد.. مرزامنا حديد» ونستمر في ترديد هذه الأهزوجة حتى يتوقف المطر او يشتد فنتفرق ويذهب كل منا إلى بيته، وبذلك تجمعت عدة اسباب ساهمت في عشقي للتراث والتاريخ.
وعندما كنت وأنا فتى صغير أطالع كتب التاريخ الكويتي القديم وأشاهد صورا من البيوت وأقرأ وصفا دقيقا لها، أنطلق بخيالي سابحا في بحر الحنين الى بيتي القديم وحياتي هناك حين كنت ألهو مع أسراب الحمام وألعب بالطائرات الورقية وأراقب النجوم في السماء.
أبحث عن التراث
هل ترى ان البحث عن التراث الكويتي ضرورة مستمرة؟
٭ لا بد من الحفاظ على التراث والموروث الشعبي وبعثه وتقديمه للأجيال الجديدة لأن ذلك حفاظ على هوية الأمة وذاكرتها وأيضا الحفاظ على المنتجات التي تستطيع من خلالها ان نلمس مستويات الإبداع الحضاري لهذه الأمة، إنها قضيتي في البحث عن الأصالة والجذور العميقة.
هل توقفت في بحثك عن التراث بعد ان جمعت الكثير؟
٭ لم أتوقف أمام سحر التراث الذي لم أجد له حدودا، فالكتب لدي عابقة بالتراث الثقافي من قصص وحكايات وأمثال وأشعار شعبية وأغان، وأيضا الوثائق التي تم تسجيلها، والمخطوطات القديمة والنصوص التاريخية والصور التسجيلية والتي رسمتها في مؤلفاتي تبرز التراث العمراني من أسوار الكويت القديمة وأسماء المساجد وشكل البيوت ووصفي الدقيق لها من الخارج والداخل والأبواب والزخارف والنقوش، بالإضافة الى التراث المنقول مثل قطع النقود القديمة والحلي والأواني الخزفية والمعدنية والنحاسية والأجهزة القديمة، وأيضا لم أتوقف وقمت باستدعاء الشخصيات التراثية من التاريخ وإجراء بحوث حول حياتها وتجسيد علاقاتها الإنسانية والأخلاقية مع الآخرين.
المثل الأعلى
من مثلك الأعلى؟
٭ مثلي الاعلى هو والدي فهو المعلم الأول لي، كان يمثل لي رمزا من رموز الخلق الكريم والأمانة والصدق والمسؤولية والحزم ورافدا من روافد الثقافة والمعرفة تأثرت كثيرا به حينما كان يصطحبني الى مكاتب التجار ودواوين كبار رجالات الكويت وكذلك الى المسجد او المكتبات القديمة او الى معرض الكتاب، وكان والدي لديه مكتبة تحتوي على كتب تراثية كثيرة تثقفت منها الكثير، كما اكتسبت من جدي يوسف الميلم العديد من الصفات، وعلمني ابي الصلاة وعمري 5 سنوات وتفتحت نزعتي الدينية بطريقة تربوية وحفظت القرآن وأقبلت على الصلاة ولم أتركها حتى الآن وعلمني والدي معنى العبادة وتعلمت منه الصدق والالتزام بالقيم والأخلاق العالية، وكانت حياة ابي مليئة بالتجارب، حيث كان يوجه لي النصائح دائما وأن أكون ملتزما بالعدل ولا أظلم أحدا وكنت مسؤولا في وزارة الخارجية، ومع ذلك لم أخلف كلمة قالها لي والدي.
وكان يحدثني عن أهمية القراءة والكتاب، وأهمية اختيار الأصدقاء واستثمار الوقت فيما هو مفيد، كما تعلمت منه ايضا احترام المرأة والحب الكبير وتحمل المسؤولية. ومن خلال القصص التي يحكيها لي والدي تعلمت القيم الأخلاقية التي أصبحت منهجا في حياتي.
ما أروع التجارب الحياتية التي تعلمتها من والدك؟
٭ تعلمت منه قيم الوطنية في الدفاع عن الوطن والفداء والتعاون مع الآخرين من أجل الكويت وتلك التجربة هي بناء السور الثالث الذي شارك فيه والدي، وقد حدثني الوالد بحديث مشوق وطويل عن هذا الموضوع وشد انتباهي حين قال: لقد خرجت كما خرج جميع أهالي الديرة طواعية غير مأمورين، خرجنا «فزعة» وبحماس شديد، فكان كل أبناء الكويت قد خرجوا الى الجهة المقابلة لحيهم وبيوتهم فمثلا أبناء الحي الشرقي خرجوا الى الجهة الشرقية من السور وأبناء الحي القبلي خرجوا من الجهة القبلية، كما شارك والدي في حرب الجهراء عام 1920، الا انه لم ينضم لصفوف المحاربين لحداثة سنه وظل مع الشباب لحماية المدينة ونقل الجرحى الى المستشفى الأميركاني.
الطائرات الورقية
هل كانت لديك هوايات أخرى غير جمع التراث؟
٭ كنت شغوفا بالطائرات الورقية وقد أعدها وأكسوها بألوان العلم الكويتي القديم اللون الأحمر، وكنت أتسابق مع الآخرين في إطارات الدراجات الهوائية، وكانت هناك هواية جمع واقتناء الكرات الزجاجية الملونة الصغيرة التي تسمى «التيل» ويطلق عليها في مصر «البلية» وكنا نضع الكرات الزجاجية والآخر يحاول إصابتها وكنت أجمع أعدادا كبيرة منها، وأيضا كان صيد الطيور من هواياتي بالنباطة، وأيضا صناعة أدوات الصيد وكان حبي لهواية صيد الطيور الدافع في تدوين كتابي وكنت ارسم خرائط لخطوط هجرتها وتتبع وسيلة غذائها وطرق صيدها، وعمل جداول لأسماء الطيور لتوثيق هذه الهواية التي توقفت منذ زمن طويل.
وأيضا من الهوايات التي شغلتني جمع الطوابع والعملات بأشكالها المختلفة والرسومات والصور عليها وقد ساهم في ثراء هوايتي المراسلات الكثيرة التي كانت تأتي الى والدي من كل مكان في العالم حتى ان شقيقتي كانت تدرس في بريطانيا عام 1960 وتكتب رسائل كثيرة زادت من حصيلتي من الطوابع، وتخصصت في طوابع وعملات الكويت حتى أحقق تميزا لهوايتي وخلال أكثر من 40 عاما أصبحت لدي مجموعات نادرة عن الكويت.
وما أهم العملات التي لديك؟
٭ لدي أهم العملات والطوابع التاريخية التي تؤكد استقلالية الكويت منذ قديم الزمان، كما استطعت الحصول على أول عملة تداولت في الكويت وهي «طويلة الحسا» منذ بداية استقرار آل الصباح عام 1700م.
ما نتائج هواية جمع الطوابع والعملة بالنسبة لك؟
٭ للعملة دلالة وبراهين على استقلالية الكويت ويجيء المعرض التاريخي للعملة المتداولة في الكويت واحدا من البراهين ذات الدلالة القاطعة على أن للكويت خصوصية في تاريخ عملاتها وانها لم تستخدم في يوم من الأيام أي عملة عراقية رغم الجوار الحدودي، كما ان الطوابع أكدت ذلك منذ ان بدأت طوابع هندية عليها اسم الكويت وصور ملوك بريطانيا لأن الهند كانت مستعمرة بريطانية وترتبط مع الكويت في التجارة وكانت نتائج هذه الهواية تحقق الأهداف الوطنية في استقلال الكويت عن النظام العراقي.
وتمت اقامة معرض الطوابع العملة الكويتية بعد الاحتلال عام 1993 وكان من المعارض المهمة التي قدمتها مع إصدار كتاب حول المعرض توضح تاريخ العملات والطوابع وتؤكد على استقلالية الكويت، واستمرت الهواية الى حد الاحتراف والعشق بعرض مجموعاتي النادرة في المعارض التراثية التي تمت إقامتها داخل والكويت خارجها .
أثناء دراستك الجامعية بالاسكندرية هل كانت لك أنشطة ترتبط بالكويت؟
٭ كانت هناك فرص للطلاب الكويتيين الدارسين في مصر والبلاد الأخرى لأن يكون لهم فرعا من اتحاد الطلبة الذي يطلق عليه الرابطة فكان للفرع في الاسكندرية دور ثقافي بارز حيث أصبحت أحد الاعضاء البارزين والقائمين على مسؤوليته، حيث فازت قائمتي بأكثر من دورة انتخابية وكانت للرابطة إنجازات ثقافية من إقامة معارض فنية وتنظيم رحلات وحفلات سمر وممارسة الهوايات المختلفة وعقد الندوات الثقافية التي كان يحاضر فيها كبار المفكرين والأدباء في مصر وكذلك بالنسبة للضيوف الزائرين من الكويت، واستطاعت الرابطة ان تكون صورة الطلبة الدارسين في مصر انهم أرسلوا للكويت أن تزودهم وزارة الإعلام بأجهزة لبث إذاعي داخل الرابطة، وأرسلوا لنا إذاعة متطورة تبث على قنوات f.m وكنت أتولى رئاسة لجنة الإذاعة والإشراف عليها، حيث كان يبث منها الأغاني الكويتية القديمة والبرامج الثقافية وكانت إذاعة الرابطة المتنفس للطلبة الكويتيين وسماع أغاني البحر والأصوات والسامري فكنت أطرب لسماعها لأنها تذكرني بالكويت والماضي والتراث.
التحاقك بالسلك الديبلوماسي بوظيفة ملحق ديبلوماسي ثم ترقيتك الى درجة وزير مفوض هل شغلك عن هوايتك؟
٭ سفري خلال هذه الفترة الى بلاد كثيرة جعلني التقي بشخصيات وزعماء وكبار رجال الدولة وفي كل مكان تنبض ذكرى وحكايات وطرائف ومواقف تعيش في خاطري، وقد قمت في بدايات عملي بوزارة الخارجية بإصدار كتابي «الاقتصاد الكويتي القديم» والكتاب دراسة علمية عن اقتصاد الكويت في الماضي موثقة بالإحصائيات والخرائط والجداول.
د.عادل عبدالمغني في سطور
٭ ولد في الحي القبلي بمدينة الكويت القديمة عام 1952م.
٭ تخرج في جامعة الاسكندرية.
٭ التحق بوزارة الخارجية بوظيفة ملحق ديبلوماسي عام 1976 ورقي إلى درجة سكرتير ثالث عام 1977.
٭ عين أمين عام مساعد للجنة التعاون مع دول الخليج العربي 1978 - 1984.
٭ رقي إلى درجة سكرتير ثان عام 1980 ورقي إلى سكرتير أول عام 1985.
٭ عمل قنصلا في سفارة الكويت في أبوظبي عام 1987.
٭ رقي إلى درجة مستشار عام 1992 ونائبا لمدير إدارة شؤون مجلس التعاون لدول الخليج 1993، ورقي إلى درجة وزير مفوض في 2001.
٭ فمنذ عام 2004 إلى الآن تفرغ للأدب والتأليف التراثي إلى جانب رابطة الأدباء الكويتية التي تم انتخابه أمينا عاما لها.